حين لا يحتمل القلب الصدمة

كان يجلس أمامي، يحدّق في اللاشيء وكأنه يراه للمرة الأولى !

لم أكن بحاجة إلى أن يخبرني بشيء، كنت أقرأ الصدمة في وجهه كما تُقرأ نهاية كتاب مأساوي قبل أن تفتح الصفحة الأولى.

دكتورة .. يعني بتبترون رجلي؟

سأل بصوت خافت، وكأنه يتحدث عن شخص آخر، عن سيناريو بعيد لا علاقة له به.

السرطان انتشر .. وما عندنا خيار ثاني .

ظل صامتا كان الصمت أثقل من أي كلمات لا أحد يستعد لسماع خبر كهذا .

كيف تشرح لإنسان أن جزءًا منه سيُنتزع منه للأبد؟ كيف تخبره أن قدميه، التي حملته في كل خطوة من حياته، لن تكون معه غدًا؟

أعرف أن القرار صعب .

ضحك بسخرية قصيرة، لكنها كانت مكسورة .

قرار؟! انتي تقولينها وكأنها عملية حسابية.. كأنها مجرد خطوة منطقية .

هي كذالك .. لكنها أيضًا ليست كذلك .

رفع عينيه إليّ، لأول مرة منذ بداية الحديث نظر إلي حقًا، وكأنه يبحث عن شيء .. إجابة، طمأنينة، أو ربما مجرد وهم يمكنه التمسك به.

دكتورة .. ما فيه أمل ؟

الأمل إنك تعيش، إنك تتجاوز، إنك ما تعطي السرطان فرصة إنه يقرر نهايتك .

هز رأسه ببطء كان يستمع، لكن ليس لي، بل لصوت آخر في داخله، صوت الذكريات، الأيام التي مشى فيها، الطرق التي ركض عليها، الحياة التي عاشها قبل أن يصبح جسده ميدان حرب بينه وبين المرض .

دكتورة .. طيب .. وش يضمن لي إن الحياة بعدها بتكون حياة ؟

ابتسمت ليس لأن الجواب سهل، بل لأنه السؤال الوحيد الذي لا يملك أحد إجابته .

ما أحد يضمن شيء، لا أنا ولا أنت لكن الأكيد .. إنك أنت الوحيد اللي يقرر كيف تعيشها، بقدم أو بدونها .

لم يرد فقط أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا، كمن يريد أن يستيقظ من كابوس، لكنه كان مستيقظًا بالفعل .

تلك الليلة لم يتحدث مع أحد لم يأكل، لم يبكِ حتى فقط جلس هناك صامتًا.

وفي الصباح لم يفتح عينيه أبدًا.

لم يحتمل قلبه مالم تستطع قدماه مواجهته.

وأدركت حينها ..أن المرض لا يقتل وحده الفكرة تقتل أيضًا.


d

من سرير المرضى. 🎗️