الخوف لا يعني الاحترام… لكن بعض الحقائق لا تُقال

كنت أراقبها وهي تحدّق في السقف، كأنها تحاول قراءة شيء مخفي بين شقوق الجدران. صوتها جاءني واهنًا، لكنه لم يفقد حدّته:

دكتورة ليه ما عاد أحد يخاف مني ؟

لم يكن سؤالًا، بل إدراكًا متأخرًا لحقيقة كانت تعرفها لكنها لم تجرؤ على مواجهتها.

قبل المرض، كانت تسير وكأن الأرض تفرد نفسها تحت قدميها امرأة يسبقها ظلّها، ويحسب الجميع لوجودها حسابًا .

لكن الآن لم يعد أحد يخافها لم تعد تهديدًا، لم تعد حتى معادلة يجب أخذها بعين الاعتبار كأنها تبخرت وهي ما زالت على قيد الحياة.

لأنهم يشفقون عليكِ

قلتها بهدوء، وانتظرت تأثيرها على ملامحها للحظة، ظلّت صامتة ثم انفجرت ضاحكة لكنها لم تكن ضحكة حقيقية، كانت أقرب إلى صفعة على وجه الإدراك المتأخر.

الشفقة أسوأ من الخوف، دكتورة.

نظرت الي وكأنها تلقي درسًا أخيرًا قبل الرحيل

الخوف يعني إنك لسه موجودة، لسه محسوبة، لسه تشكّل تهديدًا حتى لو كان مجرد فكرة في عقولهم .

لكن الشفقة ؟ الشفقة تعني إنك صرت ذكرى، كأنك حيّة… بس خارج المعادلة.

كنت أعرف أنها محقة العالم لا يهاب الضعفاء، ولا يحترم الذين خرجوا من ساحة المعركة.

عندما هممت بالمغادرة، قالت بصوت ثابت:

دكتورة تعتقدين بخوّفهم مرة ثانية ؟

نظرتُ اليها، إلى عينيها التي رغم كل شيء، لم تفقد بريقها، وقلت:

الخوف لا يعني الاحترام لكن بعض الحقائق لا تُقال، بل تُترك ليفهمها من يريد.

في الخارج، كان كل شيء صاخبًا الحياة تمضي، كأن أحدًا لم يخرج منها لتوّه.

وقفت للحظة وفكرت:

كم واحد فينا يعيش وهو يعتقد أنه لا يزال محسوبًا ؟

وكم واحد ميّت لكن الناس فقط لم يدفنوه بعد ؟

نبض جنان