دكتورة .. إذا مت، هل سأكون ذكرى أم مجرد خبر
كانت في الثامنة عشرة من عمرها، لكنها لم تكن شابة كغيرها.
المرض لا يُمهل أحدًا ليرتب حياته كما يشاء سلبها حق التذمر من الأمور الصغيرة، وعلّمها أن الوقت ليس وعدًا، بل احتمال.
جلست بجوارها، كما أفعل كل يوم، لكن اليوم كان مختلفًا عينها لم تعد تحمل الخوف، بل شيئًا آخر .. شيئًا لا أستطيع وصفه بسهولة.
دكتورة ، إذا مت .. هل سأكون ذكرى أم مجرد خبر؟
لم أجب مباشرة، لأنني شعرت أنني أمام سؤال لم أفكر فيه من قبل !
كم عدد الذين عبروا هذه الغرفة قبلكِ، يا صغيرتي ؟ كم منهم بقيت أصواتهم تتردد في رأسي بعد رحيلهم؟ وكم منهم صاروا مجرد ملف مغلق، سرير شاغر، موعد جديد لمريض آخر؟
“ لاأعرف “ قلتها بصراحة لكن ربما الأمر ليس كما نعتقد الناس لا يُنسون بالطريقة التي نتصورها.
أحيانًا، صورة واحدة تبقى أكثر من حياة كاملة.
أدارت وجهها إلى النافذة، وكأنها ترى شيئًا هناك، خلف الأفق، خلف المدينة، خلف هذا العالم كله.
أخاف أن أنسى نفسي قبل أن ينساني الآخرون، دكتورة.
هنا, شعرت بشيءٍ ما ينهار بداخلي كيف يمكن لفتاة في هذا العمر أن تصل لهذه الدرجة من الإدراك كيف يمكن لشخص أن يخشى أن يفقد نفسه، وهو بالكاد بدأ يتعرف عليها؟
في الليل وأنا أراجع ملفها لم أستطع مقاومة الرغبة في فتح رسائلها القديمة.
لم تكن رسائل طويلة، مجرد عبارات قصيرة كتبتها عندما كانت لا تزال قادرة على الكتابة.
أشعر وكأنني أتحلل ببطء، لكن بطريقة لا يلاحظها أحد.
يضحك الجميع حولي، وكأن العالم لا يدرك أنني لن أكون هنا قريبًا.
إذا متّ غدًا، هل ستتذكرون صوتي أم أنني كنتُ أتكلم بصوت منخفض طوال الوقت؟
وفي آخر رسالة، التي أرسلتها قبل أن يثقل المرض يديها:
أرجوكِ لاتنسي اسمي.
رحلت.. وتركت سريرها فارغًا. لكن هل رحلت حقًا ؟
لم أعد واثقة.
ما زالت صورتها على هاتفي، لم أحذف رسائلها، وأحيانًا أفتح المحادثة فقط لأرى اسمها هناك. في لحظات نادرة، وأنا داخل تلك الغرفة، أشعر أنني سأسمع صوتها يسألني مجددًا:
دكتورة إذا مت، هل سأكون ذكرى أم مجرد خبر؟
وأنا .. ما زلت لاأعرف الجواب.
أسئلة من سرير المرضى