بين الإدراك والشفاء

الحياة مليئة بالمجهول، لكنها لا تتطلب منا أن نعيش في خوف دائم منه. المرض، كغيره من الأحداث غير المتوقعة، يفرض علينا تساؤلًا جوهريًا: هل نخضع له كمصير محتوم، أم نتعامل معه كمعادلة تحتاج إلى تفكيك منطقي؟

في مواجهة المرض، يتأرجح الإنسان بين طرفي نقيض: الاستسلام العاطفي أو المواجهة العقلانية غير أن الحقيقة لا تكمن في أحدهما فقط، بل في التوازن بين الوعي والتحليل .

حين يكون رسالة، لا لعنة

المرض ليس عدوًا، بل رسالة بيولوجية تحمل في طياتها بيانات تحتاج إلى قراءة. حين يتعامل الإنسان مع المرض باعتباره فرصة لفهم جسده بدلًا من كونه كارثة يجب الهروب منها، يتحول الألم من مجرد معاناة إلى معلومة. هنا، يبرز السؤال: هل المرض ضعف، أم أنه أقوى اختبار لمنظومة الإنسان الفكرية والنفسية؟

العقلانية لاتعني الإنكار

يخلط البعض بين التفكير العقلاني وإنكار الواقع. لكن الحقيقة أن العقلانية لا تُنكر المرض، بل تفككه إلى عناصره الأساسية:

1. مالذي يحدث؟ (التشخيص العلمي)

2. كيف يمكن التعامل معه؟ (الخطة العلاجية)

3. ماتأثيرةعلى حياتي؟ (التكيف النفسي والاجتماعي)

التفكير العقلاني لا يرفض المشاعر، لكنه لا يسمح لها بالتحكم الكامل في القرارات. الخوف طبيعي، لكن هل يُتخذ القرار من رحم الخوف، أم من بصيرة واعية؟

الوعي كعلاج موازٍ

الطبيب يعالج الجسد، لكن العقل هو الذي يحدد كيف يتفاعل الجسد مع العلاج. الدراسات الحديثة لم تعد تفصل بين الصحة النفسية والجسدية، حيث ثبت أن التفكير الإيجابي المدعوم بالمنطق قادر على تحسين الاستجابة للعلاج وتقليل المضاعفات. السؤال هنا ليس: “لماذا أنا؟” بل: “كيف أتعامل مع هذا الواقع؟

بين الاسستسلام والسيطرة: منطقية تقبل الاحتمالات

هناك أمراض تُهزم بالعلاج، وهناك أمراض تُهزم بتغيير نمط الحياة، وهناك أمراض تفرض واقعًا جديدًا هنا يظهر الفارق بين من يستهلك طاقته في رفض الواقع، ومن يستخدم هذه الطاقة لفهمه وإعادة تشكيل حياته وفقًا له.

أن تكون عقلانيا في مواجهة المرض يعني أن تفهم أنك لا تملك السيطرة المطلقة، لكنك تملك دائمًا حرية الاختيار في طريقة مواجهتك.الفرق بين من ينهار أمام المرض ومن يتجاوزه ليس في قوة الجسد فقط، بل في مرونة الفكر.

في النهاية، الشفاء ليس فقط في العقاقير، بل في العقل الذي يدرك أن المرض مرحلة، وليس هوية.

🎗 د. جنان خالد

استشارية أورام كاتبة وباحثة في الفلسفة النقدية