لا يخفى على أحد أن الأدب الساخر أصبح أداة حادة في يد الكتاب، لكنها ليست مجرد نكتة لتخفيف الهموم السخرية ليست دائمًا ضحكة تتناثر على الوجوه، بل قد تكون سلاحًا فكريًا هدمًا، يجذب الأنظار إلى هشاشة القيم التي نعيش بها. لكنها، في المقابل، قد تتحول إلى تسلية لا أكثر، حين يصبح القارئ مجرد متفرج على مشاهد العالم الفوضوية دون أن يسعى لتغيير شيء.
في عالمنا الحالي، حيث أصبحت الحقائق ملونة ومسقطة على الأعين بطريقة مكيافيلية، غالبًا ما تصبح السخرية الوجه الآخر لواقعنا الذي نرفض مواجهته. الأدب الساخر هنا لا يعد نقدًا جادًا بقدر ما هو عودة للماضي الذي لم يقدرنا إلا في صور مرعبة، يقدم السخرية كأنها القفز على الجروح بدلًا من علاجها.
لنكن صرحاء: السخرية ليست سوى مرآة تكشف حجم الانهيار الذي نحن فيه. ماذا لو كانت هذه السخرية ليست مجرد تهكم على عجزنا، بل هي وسيلة لتأكيد الجهل المتفشي فينا؟ عندما يصبح الأدب الساخر مجرد ترف فكري دون أن يؤدي إلى شيء أكثر من الضحك، يصبح حينها أداة في يد السلطة، بدلاً من أن يكون سلاحًا نقديًا ضدها.
قد تقولون : لكن الضحك هو كل ما نحتاجه للنجاة نعم، الضحك هو علاج مؤقت، لكن ما الفائدة من التسلية إذا كانت تعني أن نتوقف عن التفكير، أن نغرق في العبث؟ السخرية الحقيقية هي تلك التي تفتح أبواب الأسئلة التي لا نجد لها أجوبة، وتفجر في عقولنا أفكارًا قد تؤلمنا. لكننا لا نريد ذلك. نفضل أن نضحك على أنفسنا بينما العالم ينهار حولنا.
السخرية في الأدب ليست بالضرورة دعوة للضحك، بل هي دعوة للتفكير العميق والواقعي. السخرية التي لم تفضح فساد العالم، لا تستحق أن تُسمى سخرية. وكلما كانت السخرية أكثر جرأة، كانت أكثر قدرة على كشف عيوب النظام الذي نعيش فيه.
في النهاية، السخرية قد تكون نقدًا قاسيًا للواقع أو تسلية الأمر يعتمد على كيفية استخدامها إذا كانت تجعلك تشكك في كل شيء من حولك، فقد تكون أكثر قوة من أي رصاص يُطلق. إذا كانت مجرد نكتة فارغة، فماذا قدمت إذًا سوى تأجيل المواجهة؟
بقلم الدكتورة جنان