في عالم مشحون بالأنظمة والعقائد التي تبنى جدرانًا حول عقولنا ، هل يمكن للسخرية أن تكون أداة لتحطيم هذه الجدران ؟ أم انها مجرد لحظات مؤقته من الهروب ، نضحك فيها حتى نغرق أكثر في دائرة العبث ؟
هنا في عالم "جنان كاهنة الحيرة " نرى ان السخرية ليست مجرد ضحك ، بل هي فلسفة بحد ذاتها هي رقص على حافة الجنون ، وتحد للثوابت التي تجعلنا أسرى لأفكارنا ومعتقداتنا
السخرية ليست سلاحًا مُوجهًا ضد شخص ، بل هي سلاح ضد أنفسنا أولًا. ضد تلك الأفكار التي نبنيها عن الحقيقة والدين والوجود. لأن الحقيقة، يا صديقي، ليست إلا وهمًا نغرق فيه، وحين نضحك على هذا الوهم، نبدأ في رؤية ما كان مستترًا في الظلال. قد نضحك، نعم، ولكن هل نضحك على ما نعرفه، أم نضحك على ما نجهله؟ على من نضحك حقًا؟
هل الضحك الذي نراه في الأدب، على سبيل المثال، هو مجرد لحظات فكاهية، أم هو محاكاة للمجتمع الذي يظل يخبئ الحقائق وراء ستائر من المعتقدات؟ في الأدب الساخر، نواجه الحقيقة فقط عندما نضحك على هويتنا، على آلهتنا، على طوائفنا. لأننا عندما نضحك على أنفسنا، نتمكن من رؤيتنا كما نحن: عميقة، معقدة ومبنية على أسس هشة.
والديانات؟ نعم، الديانات. كل دين يعتبر نفسه الوحي الذي لا يتزعزع، وكل طائفة تدعي امتلاك المفاتيح لآخرة قد لا نعرف عنها شيء. والأنبياء؟ هم من يهدوننا، لكن ماذا لو كانت السخرية هي التي تأخذنا إلى النور؟ هل نحن مستعدون لنسخر من المفاهيم التي تربطنا بالسماء والأرض؟ السخرية هنا ليست تهكمًا، بل هي لحظة من الوعي الذي يفتح بابًا لطريق آخر: طريق الشك الذي يتسائل دائمًا “ماذا لو كان كل شيء خاطئًا؟
الرموز الدينية التي نراها على الجدران، في المعابد، في الكتب المقدسة، قد تكون ألوانًا زائفة تكذب على عقولنا هي مجرد تماثيل لآلهة صنعتها يد الإنسان، والضحك عليها هو حرية الفكر التي ترفض الخضوع لعقل مغلق نضحك، لأننا نعلم أن كل هذه الرموز لا تمثل سوى محاولات الإنسان المستمرة للتمسك بشيء لم يره ولا يعرفه هل يحق لنا السخرية من هذه الرموز؟ بالطبع. لأن السخرية هي وسيلتنا لتدمير الأسطورة، لنسخر من الجهل الذي يعشش في أذهاننا.
هل السخرية هي التي ستغير الواقع؟ أو أنها ستظل مجرد لحظات من الهروب؟ إن الضحك هنا هو أداة لفهم العالم لا للتهرب منه. قد يظن البعض أن السخرية تقلل من شأن القضايا الكبيرة، لكن في الواقع، السخرية تتحدى تلك القضايا وتطرح أسئلة لا نجرؤ على طرحها في أوقات الجدية المفرطة. عندما نضحك، نفضح أنفسنا، نكشف عيوب أفكارنا، ونتحدى الواقع الذي نخاف من مواجهته. السخرية هي أداة قوية، ليس للضحك فقط، بل لتدمير المعتقدات، وتحطيم الجدران الفكرية التي تحبسنا في سجوننا الذاتية.
بقلم الدكتورة جنان